(( وحيدةٌ تحت المطر))
قلبي يعصف بي كما تعصف الريح بليلتي هذه ... ولكنني ورغم تساقط المطر امتعنت عن البكاء... فكيف لي أن أبكي
وهذا يمسك طرف ثوبي وتلك تشدني من أصابعي... تسائلني: ماما،ماما ، أين سنذهب؟؟ .. وكأن جبلاً تفتت بداخلي...
وكأن أطياف القوة تبخرت من آناء روحي... وطفلٌ صغيرٌ أسند رأسه لصدري يستمد منه أماناً تبدد من داخلي... المطر يتساقط بسرعةٍ جنونية ...
و خطراتي تسحبني بعيداً حيث توقفت الساعة .... أتمنى لو تبلعني الأرض بعيداً... أو تطفئني الأمطار كشمعةٍ دون مأوى...
تُلح عليَ بسؤالها ضاغطةً على أصابعي: ماما،، إلى أين سنذهب؟؟ ... يتلعثم لساني... كأن السؤال يصفعني لأستفيق... جلستُ على التربة الثائرة
فثرتُ معها باكية... ضممتهم إلى صدري وبكيت ُبلا انتهاء... إلى أين آخذكم؟؟؟ إلى أين آوي بكم؟؟؟
تحت ظل شجرةٍ أوينا... أسندتُ جسدي وضممتُ أطفالي في حضني نلتمس من بعضنا دفءاً بددته الرياح بقوتها
والساعات بقسوتها.... صغيري الذي ما بلغ من العمر سوى ثلاثة أشهر قد مسه البرد وارتفعت حرارة جسده ... ارتعشتُ خوفاً... أكاد أتساقط ألماً... الخوف يعصف بي...
ركضتُ في المطر أجر خلفي طفلاي المتعبان.... يكاد قلبي يسقط من بين ضلعيَ... أسرعتُ أطلب سيارة أجرة... لا أملك من النقود شيئاً سوى قرطين ورثتُهما من والدتي...
هما كل ما أملك من بقاياها... عزيزان عليها... يعز عليَ أن أُتخلى عنك ِ يا ذكرى أمي... لكنني لا أملك شيئاً... لا أملك بعد الله سواهما وسوى ذكرى منها ومن صبرِها أقوي نفسي بها...
وخيوطاً من الأمل أُعزي نفسي بها...
وطأتُ أرض المشفى أتخبط فيها دون وعيٍ مني... أجر خلفي طفلين نكس التعب رأسيهما... وأحمل بين ضلعي طفلاً يكاد يموت....
أخذت الطبيبة الطفل من بين ذراعي... لا أعلمها هذه المشاعر التي تنتابني... وبينما استسلم الطفلين للنوم على كراسي الانتظار...
كنتُ قد انهرت تماماً... تهاويتُ على الأرض أندب نفسي... بل أندب الأيام ما صنعت بي: إلهي... ماذا ذنبهم أن والدهم رجلاً لا يخاف الله؟؟
ما ذنبهم أنه رحل دون أن يترك لهم حتى كسرةً من خبز؟؟؟ ما ذنهبم يا إلهي؟؟ إنك ألطف من أن تضيع أطفالاً بائسين لا حول لهم ولا قوة؟؟
هو بلاءٌ منك إلهي فأعنني على الصمود؟؟ ألهمني الصبر...
لمن ألجأ و أنا في أرضٍ لا أهل لي فيها ولا أصحاب؟؟ كيف سأطعمُ أطفالي؟؟ وأين سيرقدون؟؟
أفي العراء سأتركهم؟؟ أي أمٍ أنا وما أملك في الحياة سواهم؟؟ وسوى قلقٍ يأكل قلبي عليهم؟؟
وحيدةٌ كعادتي... ابتلاني القدر بزوجٍ مدمن للكحول... تزوجته طوعاً لأمر والدي المتسلط... ما بي أتذكر ذلك؟؟
كأن شريط حياتي يمر بمخيلتي... طفولةٌ قاسية وفُتات أحلامٍ داستها أقدام القدر... منذ بلغت الخامسة عشر من عمري
وأنا أنفذ أوامر والدي ... زوجني فتاةً صغيرة من أول شخصٍ طرق باب منزلنا... يردد في أذني جملته المعتادة:
( الزواج ستر للبنت) ... أنجبت طفلتي الأولى منذ العام الأول من هذه الزيجة... ألوذ بأمي كل يوم... أشكو لها زوجي السكران.... أعود لها كل يوم والكدمات تغطي جسدي...أعود لها كل يوم كالذبيحة الفارة من الموت... ووالدي يُعرض عني ويحملني إلى منزل زوجي مجدداً ( الحرمة ما لها إلا بيتها وزوجها) ... طفلتي الأولى أنجبتها وأنا في السادسة عشر من العمر (سمر) ... الفتيات بعمري كُن يدرسن ويتعلمن ويمرحن مرح الطفولة بينما كنت أُسلي نفسي بطفلتي... أصبر لأجلها... وأتناسى بها شقائي... في ذلك العام توفي والدي... ووالدتي المسكينة ابتُليت بشتى أنواع الأمراض... ثم وبعد أشهر معدودة كنت قد حملت بابني (أحمد) ... وما تمنيت أن أنجبه... خوفاً من الأيام ما ستحمل لهم مع أبٍ سكير وأمٍ مغلوبةٍ على أمرها... استسلمت للقدر وما كتبه لي وأنجبت ولدي الثاني ... و الأيام تمضي بقسوتها ... وتزداد تعقيداً... تُمطرني ألماً... وأسكن فيها شتاءاً رغم الشمس المشرقة.... توفيت والدتي وبقيت وحيدةً مع زوجٍ يضربني ويروع أطفالي... كنت أعمل في الخياطة لأعيل نفسي وأطفالي... وكان يضربني ليأخذ مني ما أُخبئه لهذين الطفلين المسكينين... لربما أطعمهما خبزاً ... أكسوهم كما يكتسي الأطفال... أو أصنع لهم من أقمشتي دميةً يفرحون بها... أخذ مني كل ما أملك... حتى منزل والدي الذي ورثته بعد وفاة والدتي... يعود لي يوماً ليخبرني أنه آسف وأنه تاب... يعدني بأنه سيعوضني عن كل شيء... فأصفح عنه لأجل أطفالي مع أملٍ بأن الأمور ستغدو على ما يرام... ثم نعود كما نحن ومع طفلنا الثالث( علي)... وها أنا اليوم وحيدةً مع هؤلاء الثلاثة وقد ألقت المحكمة القبض عليه بتهمة حيازة الخمر والمتاجرة به... وها هو صاحب البيت يطردنا لأننا لم ندفع أجار البيت منذ خمسةِ شهور....
فماذا عساي أن أفعل؟؟؟
قلبي يعصف بي كما تعصف الريح بليلتي هذه ... ولكنني ورغم تساقط المطر امتعنت عن البكاء... فكيف لي أن أبكي
وهذا يمسك طرف ثوبي وتلك تشدني من أصابعي... تسائلني: ماما،ماما ، أين سنذهب؟؟ .. وكأن جبلاً تفتت بداخلي...
وكأن أطياف القوة تبخرت من آناء روحي... وطفلٌ صغيرٌ أسند رأسه لصدري يستمد منه أماناً تبدد من داخلي... المطر يتساقط بسرعةٍ جنونية ...
و خطراتي تسحبني بعيداً حيث توقفت الساعة .... أتمنى لو تبلعني الأرض بعيداً... أو تطفئني الأمطار كشمعةٍ دون مأوى...
تُلح عليَ بسؤالها ضاغطةً على أصابعي: ماما،، إلى أين سنذهب؟؟ ... يتلعثم لساني... كأن السؤال يصفعني لأستفيق... جلستُ على التربة الثائرة
فثرتُ معها باكية... ضممتهم إلى صدري وبكيت ُبلا انتهاء... إلى أين آخذكم؟؟؟ إلى أين آوي بكم؟؟؟
تحت ظل شجرةٍ أوينا... أسندتُ جسدي وضممتُ أطفالي في حضني نلتمس من بعضنا دفءاً بددته الرياح بقوتها
والساعات بقسوتها.... صغيري الذي ما بلغ من العمر سوى ثلاثة أشهر قد مسه البرد وارتفعت حرارة جسده ... ارتعشتُ خوفاً... أكاد أتساقط ألماً... الخوف يعصف بي...
ركضتُ في المطر أجر خلفي طفلاي المتعبان.... يكاد قلبي يسقط من بين ضلعيَ... أسرعتُ أطلب سيارة أجرة... لا أملك من النقود شيئاً سوى قرطين ورثتُهما من والدتي...
هما كل ما أملك من بقاياها... عزيزان عليها... يعز عليَ أن أُتخلى عنك ِ يا ذكرى أمي... لكنني لا أملك شيئاً... لا أملك بعد الله سواهما وسوى ذكرى منها ومن صبرِها أقوي نفسي بها...
وخيوطاً من الأمل أُعزي نفسي بها...
وطأتُ أرض المشفى أتخبط فيها دون وعيٍ مني... أجر خلفي طفلين نكس التعب رأسيهما... وأحمل بين ضلعي طفلاً يكاد يموت....
أخذت الطبيبة الطفل من بين ذراعي... لا أعلمها هذه المشاعر التي تنتابني... وبينما استسلم الطفلين للنوم على كراسي الانتظار...
كنتُ قد انهرت تماماً... تهاويتُ على الأرض أندب نفسي... بل أندب الأيام ما صنعت بي: إلهي... ماذا ذنبهم أن والدهم رجلاً لا يخاف الله؟؟
ما ذنبهم أنه رحل دون أن يترك لهم حتى كسرةً من خبز؟؟؟ ما ذنهبم يا إلهي؟؟ إنك ألطف من أن تضيع أطفالاً بائسين لا حول لهم ولا قوة؟؟
هو بلاءٌ منك إلهي فأعنني على الصمود؟؟ ألهمني الصبر...
لمن ألجأ و أنا في أرضٍ لا أهل لي فيها ولا أصحاب؟؟ كيف سأطعمُ أطفالي؟؟ وأين سيرقدون؟؟
أفي العراء سأتركهم؟؟ أي أمٍ أنا وما أملك في الحياة سواهم؟؟ وسوى قلقٍ يأكل قلبي عليهم؟؟
وحيدةٌ كعادتي... ابتلاني القدر بزوجٍ مدمن للكحول... تزوجته طوعاً لأمر والدي المتسلط... ما بي أتذكر ذلك؟؟
كأن شريط حياتي يمر بمخيلتي... طفولةٌ قاسية وفُتات أحلامٍ داستها أقدام القدر... منذ بلغت الخامسة عشر من عمري
وأنا أنفذ أوامر والدي ... زوجني فتاةً صغيرة من أول شخصٍ طرق باب منزلنا... يردد في أذني جملته المعتادة:
( الزواج ستر للبنت) ... أنجبت طفلتي الأولى منذ العام الأول من هذه الزيجة... ألوذ بأمي كل يوم... أشكو لها زوجي السكران.... أعود لها كل يوم والكدمات تغطي جسدي...أعود لها كل يوم كالذبيحة الفارة من الموت... ووالدي يُعرض عني ويحملني إلى منزل زوجي مجدداً ( الحرمة ما لها إلا بيتها وزوجها) ... طفلتي الأولى أنجبتها وأنا في السادسة عشر من العمر (سمر) ... الفتيات بعمري كُن يدرسن ويتعلمن ويمرحن مرح الطفولة بينما كنت أُسلي نفسي بطفلتي... أصبر لأجلها... وأتناسى بها شقائي... في ذلك العام توفي والدي... ووالدتي المسكينة ابتُليت بشتى أنواع الأمراض... ثم وبعد أشهر معدودة كنت قد حملت بابني (أحمد) ... وما تمنيت أن أنجبه... خوفاً من الأيام ما ستحمل لهم مع أبٍ سكير وأمٍ مغلوبةٍ على أمرها... استسلمت للقدر وما كتبه لي وأنجبت ولدي الثاني ... و الأيام تمضي بقسوتها ... وتزداد تعقيداً... تُمطرني ألماً... وأسكن فيها شتاءاً رغم الشمس المشرقة.... توفيت والدتي وبقيت وحيدةً مع زوجٍ يضربني ويروع أطفالي... كنت أعمل في الخياطة لأعيل نفسي وأطفالي... وكان يضربني ليأخذ مني ما أُخبئه لهذين الطفلين المسكينين... لربما أطعمهما خبزاً ... أكسوهم كما يكتسي الأطفال... أو أصنع لهم من أقمشتي دميةً يفرحون بها... أخذ مني كل ما أملك... حتى منزل والدي الذي ورثته بعد وفاة والدتي... يعود لي يوماً ليخبرني أنه آسف وأنه تاب... يعدني بأنه سيعوضني عن كل شيء... فأصفح عنه لأجل أطفالي مع أملٍ بأن الأمور ستغدو على ما يرام... ثم نعود كما نحن ومع طفلنا الثالث( علي)... وها أنا اليوم وحيدةً مع هؤلاء الثلاثة وقد ألقت المحكمة القبض عليه بتهمة حيازة الخمر والمتاجرة به... وها هو صاحب البيت يطردنا لأننا لم ندفع أجار البيت منذ خمسةِ شهور....
فماذا عساي أن أفعل؟؟؟